مظلومة معانا سنة ٢٠٢٠، من أول يوم فيها و الكل يتنمر عليها .. الكل يعبر بوجه مكشوف عن كرهه لها .. الكل يلقي علي كاهلها العديد من المصائب و يلصق بها التهم .. الكل وصمها بأنها سنة سوداء ، كبيسة .. الكل يعبر بوضوح وجرأة و دون اي مداراة عن مشاعره الجارحة
و لكن في رأيي هذا تنمر و ظلم واضح فاضح.. لا يليق بهذه السنة
فصحيح أنها سنة قوية من بدايتها، كل حدث من أحداثها يرج العالم من أقصاه إلى أقصاه رجا ويطير النوم من أعيننا .. إلا أن قوة هذه السنة تذكرني الأم الرؤوم القوية التي تقسو على أبنائها حتى ينضجوا و يتعلموا دروسا تجعلهم قادرين علي أن يحيوا حياة أفضل و يصبحوا مواطنين أفضل.
لا تعجبوا من كلامي هذا .. هذه السنة أعطتنا صدمات و لقنتنا دروسا لم تمر بنا علي مدي عمرنا كلنا ، كل ذلك وهي لم تكمل بعد الربع الأول منها..
الدرس الأول و الأقوي والأكثر وضوحا ، إن سنة ٢٠٢٠ قد عرضتنا ، ولا تزال، هو ألا نهاب اي شئ ، أن نرضي بأقدارنا ونمتن للنعم التي في حياتنا و التي عشناها ونحن لا نتذكرها حتى..
الأمان
ففي يناير ٢٠٢٠ امع إنطلاقة العام الجديد هلت علينا بدرس ( الإحساس بالأمان نعمة يجب أن تمتن لها في كل لحظة ).
فبداية من قصة الحرب العالمية الثالثة التي كادت أن تنشب بين أمريكا و إيران ، و جعلت العالم كله يشعر بمدى الأمان الذي كان يعيشه قبل تلك اللحظات، مرورا بضيف الليل الذي اقتحم على منزل نانسي عجرم و قتله زوجها ، و لا في أفلام هوليوود، إلى طلاق أصالة و ياسمين عبد العزيز بعد زواج امتد لأكثر من خمسة عشر عاما في الزيجتين .. وصولا إلي حريق منزل والد الفنان ايهاب توفيق .. كل هذه الدروس التي عشناها و شهدناها وحدقنا بأحداثها ما كانت سنة ٢٠٢٠ تأتي بها الا لتذكرنا بنعمة اعتدنا عليها حتي نسيناها ،، الا وهي الأمان .. أن تأمن السلم، تأمن المسكن، تأمن السكن مع شريك حياتك، ان تأمن شر الحوادث.. كم ليلة بت في ظل هذه النعم جميعها و لم تنم ممتنا او شاكرا لله او متقبلا لحياتك.. أعتقد إنك لابد أن شعرت بالامتنان .. فقط عندما ذكرتك بقيمتهم سنة ٢٠٢٠.
الخوف
انتهي الدرس الأول في الشهر الأول من هذا العام ..و تلاه مجموعة الدرس التالية في الشهر الثاني ( الصحة كنز.. النظافة من الايمان .. الإنسان مخلوق ضعيف أمام جناح بعوضة مما خلق الله)
كل هذه الدروس تلقيناها من فيروس ضئيل لا يرى بالعين المجردة .. الكورونا .. ذلك الفيروس الذي طير النوم من أعين البشر على وجه الأرض جميعا الفيروس الذي ذكرنا اننا ضعفاء لا يجب ان نتجبر أو نتكبر او نتذمر .. أو نتذمر بل يجب أن نتدبر.. فيروس علمنا كما علمتنا امهاتنا ( اغسل يديك بالماء والصابون قبل الأكل وبعده ) بل و كلما خرجت للشارع، او لامست شئ لا تعرفه .. دروس سنة اولى امومة .. درس بسيط ساذج جدا لكنه أساسي و جوهري جدا!
واجهتنا سنة ٢٠٢٠ بأهم مخاوف الإنسان على سطح الارض مهما اختلف شكله او لونه او عرقه ( الخوف من المرض والخوف من الموت)
وعلماء النفس يجمعون على أن أهم طريقة للقضاء علي اي خوف بداخلك ، هو ان تواجهه.. كما نفعل نحن الان في كل لحظة ،، لا تنكر ، كلنا خائفون .. نرتعد .. فيروس مجهول .. علاجه غير معروف .. اعراضه لا تظهر بوضوح ، قد تكون في هذه اللحظة أنت حامل المرض و انت تبدو عليك علامات الصحة، لن تعرف الا بعد مرور اسبوعين بالكمال و التمام ، حينها ستكون قد نقلته لعشرات آخرون خالطتهم .. يا لسخرية القدر !
كلنا نرتعد خوفا من المرض و قد نكون نحن مرضي او ناقلين للمرض و نحن لا نعلم .. كل البشر في أرجاء العالم خائف من نفس المرض في نفس اللحظة .. ما أعظمك يا ٢٠٢٠ عندما تقررين اعادة تربية الكون كله، تربية جماعية في آن واحد.. تعلمي كل البشر ان يواجه مخاوفه و ان اولا و اخيرا عليه الا يجهد نفسه في التفكير فيما سيصيبه في المستقبل لأن المستقبل دائما و ابدا بيد الله وليس بيدنا حتى الخوف من المجهول نواجهه في ٢٠٢٠ .. لا شك سنصبح أكثر شجاعة و قوة بعد كل هذا الخوف الذي نعيشه .. وحتي تنجح في اختبار الخوف عزيزي صدقني ( قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا) فاهتم بصحتك و اجراءات الوقاية و لا تتبع اعداد المصابين و لا تخف كثيرا فالله يدبر الامر و لا نملك منه شيئا بكثرة التفكير .. كثرة التفكير ستورثك القلق و هو يا عزيزي اشد فتكا بصحتك من الكورونا التي لا يتجاوز وفياتها ٥٪ من المصابين بها..
الحرية
أما في الشهر الثالث من ٢٠٢٠ فقد جاء وقت الدرس الثالث (قيمة الحرية) لقد كنا نجوب العالم شرقا و غربا ، كنا نتحرك كما شئنا ، وقتما شئنا ، نخرج .. نمضي الساعات في الشوارع و نعود سالمين امنين ، بل و على الرغم من ذلك متذمرين.. في شهر مارس.. عمدت العديد من الدول حتى اللحظة إلى حظر السفر، وقف المدارس، بل وصل الي حظر التجوال في بعض الدول.. أغلقت بعض المدن في ايطاليا ابوابها علي نفسها و حظرت بعض الدول مسافري دول أخرى، أوقفت دولا الخروج للمدارس و اوقفت دولا أخرى الخروج للعمل والخروج للمطاعم او المولات او صالات الرياضة ! لقد أصبح الكثيرون حول العالم محبوسون في أماكنهم.. أجبرت سنة ٢٠٢٠ اسرا على الجلوس في المنزل سويا .. و فرقت اسرا كل في مكانه غير قادر على الوصول لباقي أفراد الأسرة .. ان ٢٠٢٠ تلاعبنا لعبة كنا نلعبها و نحن اطفال عندما ننطق الكلمة السحرية (كهربا) فيتجمد كل لاعب في مكانه منتظرا (شد الكبس) .. ألم اقل لكم انها أم رؤوم تلاعب ابنائها و تربيهم في نفس الوقت ! كلنا نحدق بالانترنت كل ساعه خائفين من قرار جديد ، في انتظار صدور قرار او خوفا من صدور قرار!
هرم ماسلو
انني أري ٢٠٢٠ بدأت بتربيتنا محترمة قواعد هرم ماسلو :
فعلمتنا درس الأمان و تلتها بالحاجة الاجتماعية للخروج و السفر و التواصل و العمل (حرية الحركة بمعنى آخر)
فشكرا لك ٢٠٢٠ أيتها الأم الرؤوم التي تربي أبنائها عندما تجدهم قد اعتادوا نعما كثيرة و تذمروا و تجبروا في الأرض شكرا لك لأنك تعلميننا أن نواجه مخاوفنا .. فمن ماذا سنخاف بعد ان واجهنا الخوف من الموت.. لابد سنصبح مواطنين اقوي بعد هذه التجربة ،
سنصبح اكثر امتنانا لكل لحظة و كل نعمة في حياتنا.. صدقوني سنصبح أفضل بالتأكيد بعد الربع الاول علي الأقل من ٢٠٢٠ ، فماذا ستعلميننا بعد ذلك يا ترى؟
هل صدقتوني الآن أننا نظلم هذه السنة التي تقسو علينا من اجل مصلحتنا،، شكرا ماما