كنت دائما استنكر النتائج الباهرة التي تظهرها الاعلانات التليفزيونية لمساحيق الغسيل و الكريمات وغيره علي التلفيزيون حيث تنقسم الشاشة تلقائيا الي نصفين (قبل استعمال المنتج) فتعرض اسوء شكل ممكن و (بعد استعمال المنتج) وتري عادة صورة جذابة محببة للقلب وكنت اؤمن حينها انه لابد تم استخدام الفوتوشوب الخادع..
ثم لاحظت ان نفس الحيلة تم تحديثها و تستخدم باستمرار في اعلانات اطباء التجميل، و اطباء الاسنان و متخصصي التغذية و فقدان الوزن حيث توضع صورة المستهلك / الزبون قبل و بعد زيارة المختص .. و بمقارنة صورة الزبون اقبل و بعد بدأت اصدق ان تللك النتائج حقيقية و اردد كما يقول الاعلان القديم الشهير ( القطنة ما بتكذبش) !
طالع أيضا : لماذا يجب ان تذهب الي لايف كوتش
و الان اصبحت اكثر ايمانا بهذه المقارنات و بصدق نتائجها .. بل سلمت لها تسليما شديدا عندما شهدت القرق في الشعب المصري (قبل دخول كورونا للمحروسة) و (بعد دخول كورونا للمحروسة)؛ وتبدأ القصة معي
انا و زووم
منذ اكثر من عام عندما انهيت دراستي النظرية للايف كوتشينج ،و طلب مننا ان نقوم بتدريب عملي لتطبيق ما درسناه علي زملائنا في جروبات ثلاثيه وجها لوجه لمدة لا تقل عن ١٥ ساعه متقطعةن تبادل فيها الادوار و التدقيق و الملاحظة و التسجيل .. فبدأت انا و زملائي في التخطيط لترتيب مواعيد تلك اللقاءات و اقتراح عدة وسائل لعقد المقابلات منها: المقابلة الشخصية في مكان عام او مكتبة اوما شابه، و منها المقابلة بتقنية الفيديو كول اي المقابلة اونلاين مع تفعيل الكاميرا ( لان رؤية تعبيرات ووجه المتدربين لبعضهم شئ اساسي ) من خلال ابليكيشن يسمي زووم
و لكن بحكم طبيعة (مقاومة التغيير) الموجودة اساسا في اغلب الناس قررنا ان يكون اللقاء الاول في احدي المكتبات العامة لمدة ٣ ساعات و ان يليها أربع زيارات مماثلة حتي ننهي التدريب المطلوب ،، و بعد جهد جهيد لتحديد موعد و مكان المقابله وبعد ان انهينا التدريب في ذلك اليوم اكتشفنا ان الوقت المنقضي كان يزيد عن ٤ ساعات ، منهم ساعتين فقط تدريب و الباقي اما في انتظار الوصول او السلامات و التحيات في اول اللقاء و اخره.. و كان هذا مؤشرا كافيا ، بعد ان تركت كل مننا بيتها لمدة ٥ ساعات او اكثر ، في يوم ويك اند ( و هو ما يقارب عدد ساعات يوم عمل كامل) قررنا ان نضغط علي انفسنا و نخرج من (الكمفورت زوون) او منطقة الراحة في ممارسة المألوف الي منطقة جديدة بما يصاحبها من بعض القلق و الخوف من كل جديد و اتفقنا علي ترتيب موعد جديد اونلاين من خلال تقنية زووم لمدة ساعتين فقط، بحيث يمكننا تنفيذها من بيوتنا ..
الكمفورت زوون
تجربة الزووم شملت في البداية الجهل في ارسال دعوة ، الجهل بتشغيل الابليكيشن و خلق حساب ، الجهل بالادوات الموجودة علي الابليكيشن و ما يتبعه من احتمال فشل الموضوع او تضييع وقت بلا جدوي .. و بعد عدة محاولات نجحت التجربة ،، و كانت ايسر و انجح. تحققت النتائج المرجوة من التدريب، لم يضع اي وقت في انتظار وصول المشاركين و لا في اي شئ عارض،، و عند تحديد موعد المقابلة الثانيه كنا تمرسنا في الاتصال بزووم.. و هي ما تسمي علميا مرحلة التقدم و النمو (للمرحلة الثالثة ) ١-مقاومة حب ممارسة المألوف- -٢- التخلص من الخوف من الفشل – ٣-الوصول للهدف و تعلم مهارة جديدة..
زووم في مصر !
نفس ما حدث معنا حدث مع المجتمع المصري بأكمله، و انا سعيدة الحظ اني شهدته بعيني.. شهدت تحول مجتمع كامل في مراحل الكمفورت زوون الثلاثة ..
نصف الشاشة الاول : قبل دخول الفيروس
فقد كنا في مصر نستثقل استخدام التكنولوجيا في اي شئ مفيد ( في حين نستخدمها في السوشيال ميديا بطلاقة) لكن لو طلبت من شخص ان يلاقيك في اجتماع علي النت من خلال زووم، ييقاوم و يؤجل و يسوف لانه مرتاح في طريقته المألوفة و لا يريد بذل جهد للتحرك من الكمفورت زوون الخاصة به فتجربة شئ جديد هو شئ ثقيل علي القلب ..
عندما طلب وزير التعليم ادخال التابلت في المدارس انتحبت الامهات و صرخ الاباء و بكي الابناء و كأن الوزير جاء بدين جديد يدعو اليه .. فبين متحجج بالنت الضعيفة و بين باك علي مستقبل ابنه اللي ضاع و حظه السئ و غيرهم ممن لم يحتمل فكرة تجربة جديدة من اجل التقدم .. و لا الومهم كثيرا فحب الروتين طبيعة بشرية، علينا فهمها مع عدم الخضوع لها و الا هتجيبنا ورا .. لان الدنيا بتتقدم..
كان المشهدين السابقين و غيرهما سائدين وطبيعيين قبل دخول الفيروس اللعين..
و يمكنني الان و بكل ثقة ان اقسم نصف شاشة التلفاز الى نصفين لاضع امامكم الصورة بعد دخول الفيروس الي المحروسة كالتالي؛
نصف الشاشة الثاني : بعد دخول الفيروس
**الاباء و الامهات و المدرسين و المدرسات و الطلبة و الطالبات تعلموا استعمال زووم و غيره من الوسائل التكنولوجية ، في غضون شهر واحد .. مع خلفية من صدى صوت الانتحاب الناتج من مرحلة الخوف من الفشل في تعليم الابناء ..
**العاملين و العاملات و الموظفين و الموظفات و المرؤوسين و المرؤسات و المديرين و المديرات تعلموا زووم و ميكروسوفت تيم و غيرهما لاجل اجراء مقابلات عمل و اتمام الاعمال اونلاين .. مع صدي صوت انين مكتوم علي اثر مقاومة التغيير من اجل لقمة العيش
**السيدات و البنات و الاصدقاء و الصديقات يتقابلون الان علي شاشات زووم و هاوس بارتي للدردشة و التواصل اليومي العادي بعد حظر التجوال و غلق الكافيهات
**حتي ان احد الشيوخ فاجأني انه يقابل شيوخ و ائمة المساجد من زملائه علي زووم لتدارس امور الدين و عنل حلقات علم كما كانوا معتادين علي اجراءها بعد صلاة الجماعة في المسجد حتى لا ينقطعوا عنها..
طالع أيضا اكتشف ذاتك: هل لديك سمات شخصية المنجز ؟
الحركة بركة
الصورة الان اكثر ايجابية و اكثر تطورا .. لقد حققنا معجزة يا سادة .. لقد قمنا بمحو الامية التكنولوجية للشعب في غضون شهر او شهرين علي الاكثر .. لقد قفزنا الي الامام قفزة كبيرة لمجرد ان هناك دافع قوي (الخوف علي حياتنا وحياة احبائنا) جعلنا نستصغر الخوف من التغيير او الفشل و ننطلق من الكمفورت زوون الي مرحلة النضج و التعلم.
تجربة كانت بعض الحكومات قد يأست من تحقيقها لان محو الامية الابجدية كان عائقا امامنا نتعثر فيه عندما نفكر في محو امية الانترنت و الكمبيوتر
ان تجربة الجديد يا عزيزي من عادات و سلوكيات و مناهج و افكار لا بد له من مرحلة مقاومة لترك الكمفورت زوون ثم مرحلة خوف و تراجع و قلق يجب ان نمر بها و نصمد فيها حتي نصل الي مرحلة النضج و التقدم و التعلم ،، و كما قال اجدادنا في الحركة بركة و شكرا لهيسترية كورونا