إلى نفسي الغالية
تحية طيبة وبعد،
أتمني أن تكوني في أحسن حال و أن تنعمي بالهدوء و السكينة أبد الدهر, لا حرمنا الله منها.
لا أدري إن كنتي تعلمين مدى حنيني و شوقي إليك .. نعم اشتقت إليك ، و اشتقت لذلك العمر الذي قضيناه سويا ..
هل تذكرين كيف حلمنا سويا بفارس الاحلام عندما كنت اصفه لك و ترسمين صورته في خيالي، هل تذكرين كيف كنا نستمتع بنغمات الموسيقي الهادئة قبل النوم في سريري الصغير عندما كنت صبية شابة في بيت أبي ، هل تذكرين كيف كنا نحلم سويا و نخطط لمستقبلي حتي بعدما تزوجت و انتقلت لبيت زوجي.. يا لها من أيام لن أنساها ما حييت و لم أعرف قدرها في حينها أبدا ،نفسي العزيزة لقد ساندتني و رسمتي معي سنوات عمري و أنرتي لي طريقي فكانت خطواتي واضحة و راسخة , حلمنا سويا , و غدونا نحقق كل ما أردنا , و سواء حالفنا الحظ في تحقيقه أو عاندتنا الدنيا و لم نحققه , فقد كنتي دائما سندا لي و حليفا مكنني من الصمود في وجه كل الظروف و الأشخاص الللذان حاولا الوقوف في وجهي لسبب أو لأخر.. إن وقوفك بجانبي كان خير مدد و أقوى سند. لقد وجب علي شكرك و استحققتي مني العرفان و التقدير و الأسف و الاعتذار.. نعم حقك علي أن اعتذر لك لأني لم أدرك قيمتك حينها ، لم أكن أعرف إنك لم تسمحي لأي مثبط ان يقترب مني و لا حتي لذبذباته السلبية أن تدخل مجالي الجوي ، لم أكن أشعر بها و لا تؤثر بي لوهلة.
نفسي العزيزة ،
لقد بقيتي معي عمرا لا ينسى و و لكن .. افترقنا .. نعم افترقنا في وقت ما ، في لحظة غروب في يوم كئيب ،افترقنا عندما حلت ظلمة يوم ما ، لا أدري متي و لا كيف ..
لكن حقا مر علي وقت ، لا بل كنت طول الوقت, ابحث عنك، اشعر ان شيئا ما قد نقص ، قد ضاع مني ، نعم اقسم لك إني كنت أشعر إني انطفأت و إني كنت أتألم لغيابك .. استيقظت يوما و لم أجدك داخلي و لا جانبي .. تركتني .. غادرتني فغادرتني روحي المرحة، هجرتني فهجرني التفاؤل و الايجابية و سيطر علي الاكتئاب و القلق، حتي بريق عيني الذي كان يشع بالنشاط و الحيوية و التفاؤل ،،،، لم أعد أراه،
عندما كنا سويا كنت لا أبالي ، لا أخاف من أي شئ لا في الحاضر و لا في المستقبل ، وأصبحت أخاف ان أخرج من قوقعتي، ارتعب من المستقبل و أراه مظلما، أخطو إلى الظلام و لا أري للنور أي شعاع، هذا إذا أبصرت أصلا ، فقد ضعف بصري و بصيرتي و باتت كل الصور أمامي ضبابية متشابهة لا ملامح لها و لا طعم و لا لون و لا رائحة ،،
عزيزتي
حاولت كثيرا أبحث عنك أن أردك أو لم أكن أعرف ابدا لماذا و لا أين و لا كيف فقدتك، حتي هذا اليوم .. نعم اليوم فقط .. عندما أصبح حالي يرثى له و بات الجميع يستغربونني و يسألونني كيف تغيرتي و لماذا تغيرتي،، لا أخفي عليكي كنت أعرف إنهم محقون و لكن لم أكن أدرك أن التغيير قد استشرى للحد الذي يلحظه من حولي ،، حينها ذهلت ، تجمد دمي في عروقي و عجزت عن الحركة و قررت إني لن استسلم و لن يهدأ لي بال إلا عندما استعيدك ، فخرجت في رحلة البحث عنك في كل مكان ذهبت للمختصين، للخبراء النفسيين، قابلتهم، سألتهم “ساعدوني أن أعود كما كنت ، ساعدوني أن أجد نفسي” ، هذه التي في المرآة ليست أنا ، ضاعت نفسي مني و لم أعرف طعما للحياة منذ ذلك الحين، استمعت إلى رجال الدين علي الإنترنت، بحثت في كتب مساعدة النفس بكل اللغات التي أعرفها المسموع منها و المقروء، لم أترك قريبا و لا غريبا إلا و سألته ( هل يمكن أن تساعدني أن أجد نفسي و استردها ثانية؟)
حتي اليوم، عندما وقع تحت بصري كتاب عبقري عن جلد النفس و تأنيبها، كتبت مؤلفته تقول “اننا كثيرا ما نقسو علي أنفسنا و نعذبها و نجلدها لأخطاء لا دخل لها بها ، حتي تنزوي أنفسنا في ركن بعيد في داخلنا كطفل غاضب من امه التي عاقبته علي ذنب لم يرتكبه، و بالتدريج تنكمش أنفسنا حتي تنفصل عنا فيتملكنا القلق و الاضطراب و الشعور بالوحدة و يضيع هدفنا لاننا نفقد البوصلة التي كانت تقودنا. فعندما نكون متصلين مع أنفسنا فإننا نفعل ما نحب و تحب أنفسنا فنسعد! ”
توقفت عند هذه الكلمات كثيرا !! هنا فقط عرفت لماذا هجرتني ، لماذا هربتي مني و انكمشتي ،، و هنا تستحقين مني مئات الاعتذارات بل أكثر ، تستحقين عددا من الاعتذارات يساوي عدد الجلدات التي جلدتك بها!
كم مرة جلدتك لأني لم أحب ملمح من ملامحي ، ووصمتك بالقبيحة، كم مرة جلدتك لأن أبنائي لم يطيعوني و ليس لك ذنب في هذا و لا ذاك ، كم مرة جلدتك و أنبتك لاني فشلت ، كم مرة سميتك فاشلة و كم مرة قلت لك إنه لا أمل منك و لا رجاء كم مرة ذكرت لك إني لن اسامحك علي ضعفك و كم مرة ذكرتك بأخطاء ارتكبتها معك في الماضي بدلا من أحنو عليك و التقط العبرة أو السبب من كل تلك المواقف أو الأخطاء ،، كم مرة لمتك و لم أقبل عذرك و لم اسامحك!!
الأن فقط أعذرك، فقد صببت عليك جام غضبي و رميتك بكل أحجار الأرض فتألمتي و تعذبتي و انجرحتي فهربتي !
اعتذر لك لأني لم أكن أعرف قيمتك في حياتي ، و اعتذر ثانية لأني عذبتك كل هذا العذاب و اعتذر ثالثة لأني عذبتك دون أن أدري عمق الجرح الذي انكأه كل مرة بخنجر حاد بلا رحمة!
لكني ها أنا ذا عرفت خطأي و بحثت عنك و عدت إليك تائبة أقدم لك فروض الولاء و الطاعة بعد أن عرفت إنني لن أسعد بدونك و لا راحة لي بعيدا عنك و لن يفرقنا إلا الموت عندما تذهبين لبارئك راضية مرضية و قد صنتك و حافظت عليك و كرمتك كما كرمني الخالق بنفحة منه في داخلي
عودي معي ،، عودي إلى.. نخطط سويا كما كنا نفعل أدرس بعقلي الطريق فترسميه في خيالي حتي أراه ملأ عيني , أرى كل تفاصيله و أعيش كل لحظاته فنسيره سويا بخطى واثقة كلها حماس و يقين، عودي لي ، انزعي الخوف مني ، و تربعي علي عرشك كما كنتي وأعدك بالسمع و الطاعة
أعيدي لي بسمة شفتي حتي في عز الفشل و بريق عيني في أحلك المواقف دندني معي كما كنا نفعل في وقت الضيق فتخففين عني و تشغلينني و تطردين ذبذبات الخوف من حولي ،
عودي لي و أعدك أن أحنو عليك و التمس الاعذار لك و أعيد الأخطاء لأصولها فأتعلم منها بدلا من القيها عليكي فتثقل كاهلك و تشيخي بداخلي و أشيخ معك،، عودي لي ليعود مرحي و جرأتي و انطلاقي و عفويتي ،،
و أخيرا ،، نفسي العزيزة أترك لك القرار و أنا واثقة إنك ستعودين معي و ستتحملين هفواتي و سنقفز سويا لنلمس السماء بقلوبنا و نرقد علي السحاب نتأرجح و ندندن معا ( يا نفسي عودي )
و أخيرا و ليس آخرا..
هذه أول رسالة مني إليك و أعدك انها لن تكون الأخيرة لكني أحببت أن تكون رسالة أسف و اعتذار و حب و رجاء لعل أسفي يطهرني من ذنوبي تجاهك و يمحو آثرها عندك فلنبدأ صفحة جديدة نقية نقاء الحليب و لتكن علاقتنا منذ الآن كعلاقة الحليب بالقشطة لا يعكرها شئ و لا يفصل بينهما فاصل و لا يحلو المذاق دون اجتماعهما.
السلام عليكم
مخلصتك
غادة حامد