دائما ما ينصحنا اجدادنا بتلبية نداء الجسد، و يقولون ؛ لو شعرت بأنك نفسك تاكل بعض السكريات علي غير العادة، فلبي النداء و عندك كارت بلانش ان تلتهم اكثر من قطعة جاتوة مثلا او تنزل تشتري طبق كنافة بالقشطة او ام علي بالمكسرات ، بأي حجم ، طالما انك نفسك فيها مرة كل فترة .. و كذا اذا اشتهت نفسك قطعة مخلل او شوية مش او شيبسي بالشطة مع لتر بيبسي مثلا.. واذا شعرت بالنعاس فاكيد (جسمك محتاج نوم) فكمل نوم و لبي النداء ، نفسك ماتخرجش ، خليك في البيت و اعتذر عن اي موعد، نفسك تروح السينما حفلة الفجر ، و ماله .. كله مباح طالما ان نفسك اشتهته لمرة و ليس روتين حياة
ومنذ عدة سنوات ، ربما لا يصل عددها لاصابع اليد الواحدة، و بعد أن اخترعنا الانسان الالي اليكسا ، وبصمة الوجه في التليفون و siri الذي ينفذ كلامك و يرد علي اسئلتك و العوالم الافتراضية علي السوشيال ميديا فأصبحت لا تحتاج لاي ابن ادم من لحم و دم في اي شئ و لا حتي الونس ، و أصبحت التكنولوجية هي بابا و ماما و أنور وجدي و جوجل هو الصديق الصدوق الذي لا يمل و لا يكذب . عندما اصبح بايدينا تهجين كل الحيوانات و عندما اصبحت تحد فاكهة الصيف في الشتاء و فاكهة الشتاء في الصيف و كل الفاكهة كل الوقت .. و بعد الكثير و الكثير من التقدم و التكنولوجيا اللذان تسببا في عزلة الانسان مع اجهزته و في البيت و الشارع و كل مكان .. عندها فقط بدأنا نسمع أصوات تنادي بهجر كل ما سبق و العودة للطبيعة .. بدأ ترند الاكل الاورجانيك ، ثم الاكل النباتي ثم الاكل الفيجن ، و غيرها من الانظمة الغذائية التي تنادي بأكل كل ما تنتجه الطبيعة دون اي تدخل انساني ، و هجر كل الاغذية المصنعة او الغير موسمية او الحيوانات التي تمتلأ اجسادها بحقن الهرمونات ليتضحم حجمها او حقن المضادات الحيوية اوغيرها اخذت أجسامنا تنادي علي الطبيعة و تطلبها و لبي البعض النداء . فتعالت الصيحات باستخدام كل ماهو طبيعي من دهون و كريمات ووصفات جمالية او حتي علاجية . ظهرت فجأة فوائد الاعشاب و اكتشفنا نباتات لم نسمع عنها من قبل مثل الكينوا و القمح الكامل و الارز الاسود و البني اللذان لم تلوثهما المصانع.
صرخت الاجساد تريد الحركة و الرياضة و نادى الاصحاء بنظام صحي متكامل من اجل حياة صحية و ليس رجيمات كيميائية و لا مؤقتة ، حتى عدنا لصيحة الصيام المتقطع كسيدنا داوود
لم تتحمل عقولنا كل تلك التكنولوجيا فعدنا ننادي بالتأمل و التواصل مع الاخرين و الاستماع للموسيقي لنعالج اعراض التوتر و الاكتئاب التي إصابتنا من فرط التكنولوجية و فرط الانعزالية
نعم كنا نلهث من اجل لقمة العيش و الطموح المتزايد لجني الأموال و الاستهلاك و شراء ما يلزمنا و ما لا يلزمنا من المنتجات و الماركات اصبح حلمنا اللحاق بنجوم السوشيال ميديا الذين غرقوا في بحر الفوتوشوب فصدقناهم و حلمنا بهم فدمروا الرضا بداخلنا .. تاقت ارواحنا للهدوء ، للطبيعة، حتي في الديكورات عدنا للفينتج ( الموديلات القديمة) المريخة نفسيا..
واخيرا جاءت الكورونا، لتعيدنا (بالعافية) للطبيعة.. اجبرتنا و ستجبرنا في الشهور المقبلة علي اكل كل ما هو صحي لنقوي مناعتنا، اجبرتنا علي الحد من ساعات العمل المتواصلة ، اوقفتنا عن اللهاث من اجل فترات تأمل، قربتنا من اسرنا ، احيت مشاعرنا فخفنا علي احبابنا و كبتنا رغباتنا في الخروج و التزين للحفاظ علي حياتهم
أجبرتنا علي ممارسة الرياضة سواء في البيت او في الاماكن المفتوحة، اصبحنا نري البعض يتنزه فوق دراجة او يمشي حول سور حديقة ، و لا انكر انه ربما بدافع الملل من الجلوس في البيت و ليس بدافع حب الرياضة، انما في النهاية دفعتنا لبعض الايجابيات ..
طبعا لا انكر ابدا الاضرار النفسية التي ستعود علي البعض من الحظر في البيت، ان طال، و لا ادعي المثالية او اني سعيدة بالحبسة في البيت اطلاقا لكني اعني ان ما قاسينا منه و تعلمناه في فترة الحظر بالاجبار سيصبح هو الاختيار الوحيد امامنا بعد فك الحظر
فكورونا اجبرتنا علي تغيير عاداتنا السلبية الي عادات ايجابية و لبت احتياج الانسان لما فطرنا الله عليه .
و في المرحلة القادمة التي سيتم اعادة الحياة فيها من جديد ، ربما تصبح هي اكبر هبة من الله لاننا سنعود بارادتنا للطبيعة. فالحكومات في العالم كله سترفع يدها، و تترك الشعوب (هما ووعيهم) سيعيش فقط من سيلتزم بالحياة الصحية و يخاف علي نفسه و عيلته.. ستتركنا الكورونا و قد غيرتنا و لبت لنا احتياجنا الفطري جسديا و صحيا و نفسيا
..فيتوقع الكثير من الاطباء ان فيروس كورونا سيبقي بيننا لعام او اكثر خلالها سيتحول العالم ليصبح (عالما طبيعيا جديدا) ، سيعود الجميع للطبيعة و لكن بنكهة التكنولوجيا ، حينها ستصبح الكمامة و غسل اليدين و قضاء وقت اطول في البيت و العمل من المنزل قدر الامكان و التخفيف من التزاحم و الزحام، و الالتفاف حول التلفاز او النت و التعقيم و تطهير كل ما تلمسه ايدينا .. من عاداتنا اليومية..
سيزداد الوعي الكامل لدينا في كل حركة نتحركها حتي لاتلمس ايدينا وجهنا و حين ندخل بيوتنا و حين ندخل اي مكان عام او خاص او مزدحم او ملوث..
سيزداد تواصلنا مع اسرنا و خوفنا عليهم .. بالتأكيد اعني الخوف الايجابي الذي كدنا ننساه في زحمة الحياة .. نعم ستزيد كورونا من وعينا الصحي و تغير عاداتنا الي الافضل .. حتي تصبح تلك العادات هي اسلوب الحياة الجديد..
لقد لبت الطبيعة نداء اجسامنا و عقولنا ، و بقدرة قادر امرت شعوب العالم اجمع فاستجاب و اطاع صاغرا ، لقنته الدرس، ليذهب الي الامتحان فما تعلمه في ايام الحظر ، كل حسب وعيه و حسب فهمه و حسب ظروفه فمنا من سينجح و ينجو عند الأخذ بالاسباب و مننا من سيسقط ويهوي ففي يوم الامتحان يكرم المرء او يهان . ستمضي الحياة في اتجاه جديد ، ستختلف الحياة فأهلا بكم في زمن قد حان اوانه بحلوه و مره، زمن العالم الطبيعي الجديد.. فهل من يقدر علي رفضه ، هل من يقدر علي العودة بآلة الزمن او تحدي التغيير؟