(أنا وهستيريا الكورونا)..كوكب تاني
أتاح لي القدر اليوم أن أكون من القلة القليلة جدا في العالم التي تجرأت و ارتادت مطارا دوليا بل مطارين متتاليين و ركبت طائرة بل طائرتين متتاليتين في نفس ذات اليوم و ذلك للعودة للبلد التي اعمل بها و كنت اقطنها مع ابنائي منذ اكثر من عشرة سنوات.. ولم يبعدني عنها و عنهما الا حبسي بسبب الكورونا لمدة ٤ اشهر..
مدحت صالح
و لانني اؤمن ان أقدارنا غالبا تكون حصادا لالستنا.. و أحبذ أن لا ننطق بسئ الكلام و ألا ندعو علي انفسنا او نوسمها بالشقاء او التعاسة او خراب البيوت او ايا ما كان قد يتحقق يوما و نكون جنينا علي انفسنا بانفسنا
فقد تأكد حدسي اليوم حين حللت بساحة المطار .. نظرت حولي فرنت في أذني علي الفور الأغنية الشهيرة لمدحت صالح ( رفضك يا زماني يا مكاني يا اواني ، انا عايز اعيش في كوكب تاني) التي طالما تغني بها و رددناها جميعا خلفه بحماس شديد في التسعينيات و لم نكن نعلم اننا معه نقر قدرا و نتنبأ بواقعا سنعيشه يوما ما
طالع أيضا : لماذا يجب ان تذهب الي لايف كوتش
سكان الكوكب
كل ذلك دار بذهني حيث شعرت حقا انني هبطت فجأة علي أرض (كوكب تاني )
كوكب مهجور ، يسكنه قلة قليله من مخلوقات لا يمكنني وصفها ، لانها ببساطة مخلوقات تشبهنا نحن بني ادم نوعا ما لكنهم ينقسمون الى اربعة انواع فقط لا غير ثلاثة انواع منهم مخلوقات مقنعة لا يمكنك ان تري لها ملامح اسفل العينين، حيث توجد مساحة بيضاء او زرقاء ممسوحة المعالم تماما اسفل العينين و حتي نهاية وجوهم، و نوع ثالث يبدو انه اكثر تشددا يتدلي من فوق الوجه الممسوح الملامح (بمساحة بيضاء او زرقاء ) الي نهاية ذقنه غطاءا بلاستيكيا شفافا ،يشبه النقاب الاسلامي، اما النوع الرابع فهو يشبهنا نحن البشر الي حد كبير الا ان ذلك النقاب الشفاف ذو الطوق الازرق يسمح لك ان تري ملامحا بشرية طبيعية تشبهنا
كوكب تاني
لاول وهلة اصابني الذهول و اعتقدت انني ذهبت لكوكب تاني و ليس للمطار الذي في العادة يكتظ بالبشر امثالنا ذوي الوجوه الكاملة الظاهرة و حيث تعلو الاصوات و تزيد الحركة، مما يجعلك تتوقف اثناء دخولك لقاعة المطار كثيرا لتحاول استيضاح طريقك و مكان ايداع الحقائب، لكن هذا الكوكب الذي ارتدته لم يكن به الا مجموعة قليلة من هذه المخلوقات الذين يتجمعون في بقعة واضحة للعيان لا يخطأها احد، حيث لا يوجد غيرهم في المبني ، او الكوكب.
انطباعات
ذهبت علي حذر حيث تجمع اولئك المخلوقات و وقفت معهم علي بعد و اخذت اراقبهم لعلي اكون انطباعا يشعرني بالامان في وسطهم او يلهمني الطريقة المثلي للتعامل معهم
واسفرت انطباعاتي عن الملاحظات التالية:
١-سكان هذا الكوكب غير اجتماعيين ابدا، فمن الواضح جدا ان كل منهم لا يطيق الاخر بل يتركون مسافة تزيد عن المتر بينهم و بين بعض، دائما هم فرادى في الطوابير و الصفوف، الا فيما ندر.
٢-سكان هذا الكوكب لا يمكنك التعرف علي مشاعرهم او ما يدور بخلدهم حيث ان كل ما هو تحت العينين هو منطقة بيضاء لا ملامح بها و بالتالي لا انطباعات و لا ابتسامات
٣-سكان هذا الكوكب يبدو انهم مصابين بمرض الوسواس القهري؛ فكل منهم يحمل زجاجة او بخاخة صغيرة يرش منها علي يديه كلما لمس شيئا ثم يدعك يديه ببعضه . تلك الزجاجة بها رذاذ ذو رائحة طبية كريهة، لا اعرف كيف يتحملونها!
٤- سكان هذا الكوكب لا يجيدون طهي الطعم و ليسوا ذواقة ابدا ، فساحات الكوكب و مناطق جلوس المخلوقات (ما يشبه المقاهي في كوكبنا) لا يوجد به الا معلبات و اطعمة جافة محفوظة بلا رائحة و لا طعم !
ظللت ارقب تلك المخلوقات و اسجل ملاحظاتي عن بعد و انا لا استوعب اين انا و تتردد في أذنيي اغنية مدحت صالح و اوؤكد لنفسي انني لا بد و قد عاقبني الله بعد ان كنت اردد الاغنية الشهيرة بان ارسلني الي كوكب ثاني حقا!
جرانديزر
و ظللت علي هذه الحال الي ان وجدت نفسي علي اعتاب بابا يشبه باب الطائرة و مقاعدا تشبه مقاعد الطائرة ..عندها تأكد حدسي و زاد ايماني باننا يجب ان نحمي انفسنا مما تنطقه السنتنا فقد وقعت الطوبة في المعطوبة و تبطرنا مع مدحت صالح علي زماننا و مكاننا و اواننا و حتي علي الكوكب كله فنقلنا الله الي كوكب قد يكون المريخ او علي اغلب الظن زحل .. و اخذت اجلد نفسي و الومها علي ترديد كلمات لم يكن يجب ان ارددها و قررت الا استمع لاية اغاني اصلا لا لمدحت صالح و لا لغيره و عاهدت نفسي الا يردد لساني الا كلمات القران الكريم..
و قبل ان تخطو قدماي داخل الطائرة فوجئت بأحدهم يعطيني غطاءا بلاستيكيا شفافا للوجه يشبه ما يتقنعون به و يؤكد لي انني لا يمكن ان اركب الطائرة الا بعد ان اضعه مثلهم علي وجهي .. لا حول و لا قوة الا بالله! هل اتي اولئك المخلوقات الي كوكبنا و اصبحوا يحكموننا و يأمروننا ام انا التي علي كوكبهم ؟!
في كل الاحوال لم يكن امامي بدا الا ان ارتدي القناع ،، ارتديته و نظرت في مرآتي الصغيرة و ذهلت .. اني اشبه جرانديزر كرتون الاطفال الشهير الذي كنت اتابعه و انا طفله و لا انسى صيحته؛ جرانديزر انطلق!
الة الزمن ام حلم؟
تمنيت كثيرا ان اكون باحلم و ان افيق سريعا من حلمي قبل ان يخطفتي او يؤذيني سكان هذا الكوكب الذي ابتلانا به مدحت صالح ، او ان تعود بي الة الزمن للطفولة الي زمن جرانديزر ،كما اشاهد في الافلام الاجنبية فلا اتمكن من رؤية اولادي!
ركبت الطائرة استقلها الي بلد ثانية ، ترانزيت، بدأ توزيع الطعام ، و بدإ ارتباكي ،، لا اعرف كيف سااكل او اشرب و انا مقنعة و اخشى اغضاب اهل هذا الكوكب اذا ما خلعت القناع و الاكل امامي و انا جائعة ، وفي صراع لم يدم طويلا .. قررت ان اقاوم الجوع و آثر السلامة ! و غفوت علي مقعدي و نمت بعد ان كنت اعتقد ان ما يحدث لي هو حلم سأفيق منه !
٧ ساعات
وصلت مطار البلد الوسيطة و لا يزال سكان الكوكب يتبعونني و لا تزال قاعات المطار فارغة و لا يزال الطعام مغلف مجفف لا طعم له لا يزال البشر مقنعين..
جلست علي كرسيين براحتي ، فرواد القاعه ليسوا كثيرين و المقاعد الفارغة بأعداد كثيرة !
جلست متوجسة خيفة مما سيحدث لاحقا ، فانا سأمضي في هذا المطار الوسيط ٧ ساعات علي الاقل كما هو مخطط حتي تصل الطائرة الاخري التي ستقلني انا و الركاب الذي يمكن ان تعدهم و انت جالس في ساحة الانتظار الي البلد الاخير حيث نهاية المطاف..
الاختطاف
وتطابقت الاحداث و تكررت في الطائرة الثانية و انا لا تزال تعتريني الدهشة و ينتابني احساس بالتوهة و الضياع و الجهل بما يحدث لي و من حولي .. حتي وصلت للبلد الاخير نهاية المطاف و سمعت بأذني قائد الطائرة و هو يعلن الوصول، كدت اطير من الفرح.. الان فقط سيظهر الحق و اعرف ان كنت مخطوفة في كوكب تاني ام احلم ام ساري اولادي و حقا وصلت لنهاية المطاف و انتهى الكابوس .. تماما مثل المطاريين السابقيين، قاعات فارهة بها قلة من المخلوقات الغريبة قاطني الكوكب،، المهم انتهيت من الاجراءات و حانت لحظة مغادرة المطار و اذ بي افاجأ باثنين من هؤلاء المخلوقات يطلبون مني اللحاق بهم لمغادرة المطار بصحبتهم الي مبني سيعزولنني فيه لمدة ١٤ يوما ليتم التحقق من سلامتي !
كورونا
صرخت اطلقوا حريتي، اتركوني ، اولادي ينتظرونني ! و لا من مجيب ، كررت ، صرخت ، وجههوا عيونهم لي بصرامة و تمتموا ببضع كلمات لم اسمع منها سوا كلمة “كورونا” فهم بلا شفاه مثلنا ، فقط مساحة بيضاء ممسوحة المعالم لا تمكنك ان تتنبأ بحركة الشفاه مثل كما كان يحدث في كوكبنا ملامح،، لم يتوقفوا و لم يناقشونني و لم يطلقوا سراحي !
الخوف
استسلمت و كلي خوف و اذعان، استسلمت و قد تأكدت ان لعنة الاغنية قد اصابتني و انني مخطوفة علي ارض كوكب تاني ..ربما لا عودة لي منه و ربما سيمسحون ملامحي انا ايضا خلال فترة الاسبوعين التي سأقضيها في ما اطلقوا عليه “الحجر الصحي” هل سيشوهون وحهي لاصبح مثلهم؟
بدأت أقلق علي ابنائي و اخذت اتسائل هل هم مثلي مخطوفين علي ارض هذا الكوكب؟ هل اصبحوا ذوي ملامح ممسوحة مثل اهل هذا الكوكب؟ هل لا يزال هناك بشر في كوكبي القديم ، ام ان سكان الكوكب الجديد احتلونا ؟!
التغيير للافضل
تعبت من التفكير و القلق و الخوف و الانتظار لما سيحدث .. فقررت ان استجمع ما بقي لي من عقل و استرجع العلوم التي درستها كلايف كوتش و افكر بطريقة ايجابية بدلا من صراع طواحين الهواء .. قلبت المنظور السلبي وسألت نفسي
ماذا لو لم يكن هناك عودة من كوكب كورونا الي كوكبنا القديم، ماذا لو كل شئ تغير؟ ،،
استجمعت قواي و اخذت اناقش نفسي؛ من يدري ربما يكون التغيير للأفضل ،لماذا افترض ان ان كوكبي القديم كان الافضل ، من قال ان ان ما هو ات ليس الافضل،، هكذا نحن البشر ، نخشى كل جديد و نظنه اسوء و نعيش ايام في رعب من المستقبل و ندم علي الماضي و لا نفكر كثيرا في ان الحاضر الذي نتجاهله قد يكون افضل من الماضي الذي اعتدناه وان التغيير سيخرج افضل طاقاتنا و قدراتنا حتي نتعايش معه ، سيكسبنا مهارات كنا نستنكر اننا يمكن ان تعلمها.. لماذا نهاب التغيير ونفترض انه اسوء ؟ و هل بيدنا العودة للماضي؟ لناذا نقلق من المستقبل و نتوقع الاسوء؟ ما المستقبل الا غيب في علم الله؟ هل خذلنا الله من قبل ؟ لماذا لا نثق في قدرتنا علي التأقلم مع اي جديد و نصرف طاقتنا في مقاومته بدلا من ان نصرفها في تقبله؟
هدأت نفسي كثيرا ،، ثبتت خطوتي علي الارض، ابتسمت لمن يصحبونني و انا مؤمنة انهم يبتسمون في قلوبهم حتي و ان لم استطع ان اري ابتسامتهم فانا اشعر بها.. ذهبت معهم و كلي امل في كوكب جديد افضل ،، عندها انتابني شعور ان اغنية كوكب تاني هي دعوة للتغيير للافضل و ليس بطرا علي النعم.. فلكل جملة اكثر من معني في داخلنا، انما نفسرها باحاسيسنا و مشاعرنا و ليس هناك معني مطلق واحد ثابت لاي شئ ،، فعالمنا مرن متغير و كذلك عقولنا و مشاعرنا خلقها الله لتتأقلم و تبدع و تنعم لا لتخاف و تتحجر و تتجمد في مكان واحد و عادات واحدة وافكار ثابتة طول العمر .. رحبوا معي بالكوكب الثاني و بسكانه الاكثر وعيا و الاكثر تقدما وتعالوا نري الامور بمنظور مختلف لنرى وجه اجمل للعالم غدا