“أنتي لستِ منهم ! ” كتبه غادة حامد (2-2)
(الجزء الثاني )
بقلم : غادة حامد
رابط الجزء الأول : محجبة في بلاد بره
هل جربت من قبل أن تشعر بأنك كائن غريب هبط من كوكب المريخ على سطح الكرة الأرضية، ينظر الجميع إليك علي أنك “لست منهم” ؟ هل جربت أن تشعر بأنك مختلف عن مجتمع بأكمله تواجدت فيه ، و يتعامل أفراده معك بلطف و استغراب في نفس الوقت ،فقط لأنه يدرك أنك مع انك بني ادم مثلك مثله ، إلا أنك بني آدم من فصيلة مختلفة. بني آدم لا ذنب له الا أنه ولد عربيا من دولة من دول العالم الثالث الهمجية الداعشية!
هذه الأحاسيس لن تشعر بها إلا إذا كنت عربيا تزور بلدا أجنبيا ، و خاصة لو كان يمكن للأجنبي صاحب البلد أن يميزك من أول نظرة، كما يميز من يرتدي زيا مثل الحجاب الذي ترتديه هي .
بهذا الزي المميز ، و في هذه الحقبة الزمنية ، و كما تجد بعضا من الأجانب الذين قد تصطدم بهم أو تقابلهم صدفة ، ينظر إليها بامتعاض شديد رافضا حتى أن يلقي عليها التحية، علي عكس ما هو معتاد في مجتمعاتهم.
في حين، والحق يقال ، أن أغلبهم يتعاملون معها بلطف ، يحيونها بلطف ، و في أي حوار يحرص الجميع علي إظهار ودهم ، و تحضرهم ، بتأكيدهم الدائم بأنها علي الرغم من أنها “مختلفة” عنهم إلا أنهم يقبلونها لأنها إنسان مثلهم!!
إنها تحيي ، في أغلبهم، روحهم الغير عنصرية و تعجب بصراحتهم، في نفس الوقت ، إلا أن انطباعهم بأنها لست منهم ، يظهر في ابتسامتهم و يترسخ في قلبها مضيفا نكهة من المرارة
فابتسامتهم لها أصبحت تشبه الابتسامة التي تواجه أنت بها مريضا عزيزا عندما تزوره و تود طمأنته بأنه لابد سيشفي قريبا و يعود طبيعيا “كالآخرين” .
ربما لا تكون نظرة الغرب المتعالية للعرب و المسلمين شيئا جديدا، و قد لا تكون لها علاقة بالأحداث الإرهابية الداعشية التي توالت بكثرة في الأعوام القليلة الماضية ، وقد يكون سببها كل الأزمات التي سببها الإسلاميين و المتأسلمين و مدعي الاسلام والمتشددين ، وسواء كانت هذه النظرة جديدة ام قديمة إلا أنها بلا شك موجودة. و يزيد منها كل يوم السلوكيات السلبية و التناقضات التي ينتهجها العرب الذين يتوافدون علي تلك البلاد يوما بعد يوم مما يؤكد رؤيتهم السلبية تلك.
هذه التجربة في السفر لبلاد الفرنجة ، كان لها الفضل في أن تشعرها بإحساس لم تشعر به من قبل ، إحساس مر، إحساس أنك ( مختلف عن الآخرين بالمعنى السلبي) .
بعد أن أمضت عدة أيام من العمل في تلك البلد، و أوشكت رحلتها علي الانتهاء، و علي الرغم من ان كل شئ حولها “يبدو” جميلا و مثاليا ؛ إلا أن شعورا بعدم الراحة كان يلازمها أينما ذهبت.
شعور بمعنى الغربة و الاغتراب ، فحتي لو حاولت هي تغيير شكل او ستايل الحجاب لتقلل من هذا الإحساس ، فإنها لن تستطيع أبدا أن تغير من ملامحها العربية الأصيلة التي تبدو واضحة لكل شاهد عيان.
لقد ذاقت معني الغربة و الاغتراب فقط خلال رحلة تمنت الذهاب اليها طوال عمرها ، و لم تكن تتوقع أبدا أن تنتابها هذه الأحاسيس السلبية.
تحمد الله اأه لم يكتب عليها العيش في بلاد الفرنجة ، اضطرارا، لأي سبب كان ، و أنه يمكنها بيدها إنهاء رحلتها والعودة لوطنها.
و في طريق العودة ، أثناء تواجدها في المطار ، تصادف وقوفها إلى جانب أحد الأجانب ذوي الأصل الأفريقي ، من زنوج أمريكا، وتجاذب معها اطراف الحديث وكيف أنه تقاعد من عمله في الجيش الأمريكي ، منذ عدة أعوام فقط ، وأخذ يسرد عليها كيف أتاح له عمله زيارة ما يقرب من ٥٠ دولة في جميع أنحاء العالم ، ثم أنهى حواره قائلا:” لقد علمني كثرة السفر أن أحترم ثقافات و عقليات الشعوب الأخرى و أحسن معاملتهم ما داموا لم يؤذونني لأنهم بشر مثلي في النهاية ، فأنتي مثلا أنا أحترمك كإنسانة ، و انتي لست مثلنا فأنت تختلفين عنا في ثقافتك و في ملبسك ، إلا أني أحترمك” !
نظرت إليه بابتسامة عريضة ، كأنها تودعه و تودع بلاده بتلك الابتسامة و أبت ألا ترد ! فما قاله هو الحقيقة ( كلنا بشر باختلاف ثقافاتنا و أزيائنا ، لكن بالتأكيد هم يرونها ليست منهم و ليست مثلهم و قد قالها صراحة )!